تداخل النصوص عند حاتم علي


تداخل النصوص عند حاتم علي
جنوح الغيم نموذجاً

بقلم الدكتور/ عادل الشجاع


< نصوص حاتم علي يشترط في قارئها أن يكون نقي القلب والروح حتى يستطيع تلمس المعطيات الإنسانية العميقة التي تطرحها الكتاب.. فهو يحسن بموسيقى الأشياء التي تنسكب على الورق انسكاباً.. فانتاجه القليل بالمقارنة مع أبناء جيله يمثل حلقة فريدة من خصوصية الكتابة.. عندما يكتب فهو لا يكتب من أجل الهموم التي لا يمكن كتابتها أو التي هي رغم غيابها الظاهر هي الطاقة الروحية التي تملأها المشاهد الصغيرة نجدها موجودة في المساحة بين الكلمة والكلمة.. لقد اثبت حاتم علي أن البسطاء ما زالوا قادرين على إثارة الدهشة.. يمتلك »حاتم علي« رؤية جمالية مكنته من الوقوف على ابعاد نصه ووظفه ليخلق نوعاً من الجماليات التي تخلق حيوات متجددة، ففي نصوصه التي بين أيدينا تبرز فيها الوظيفة الاسترجاعية بمعنى أنه يستعيد نصوصاً سابقة ليعيد انتهاجها مرة ثانية داخل نصوصه وهو يهدف من خلال ذلك استثمار الرصيد التاريخي والعاطفي للنص الأول.. التناص في هذه النصوص تتجادل مع الأغنية إذ اتخذ الكاتب من تقنية التناص هيكلة بنائية على مستويات متعددة ولقد لجأ لهذه التقنية واعتمد عليها في نصوصه انطلاقاً من استخدام وصف الطرف الآخر وهو هنا الفنان لأنه في كل قصة من هذه القصص يأخذ مقطعاً مغناه لأحد الفنانين.. وتداخل النصوص في هذه المجموعة يتم النص السردي وبين النصوص الغنائية من هذا المنطلق يتعامل الكاتب مع تداخل النصوص بداخل نصه من مفهوم الجدلية الفكرية حوار فكره مع
أخرى باستحياء مردودها النفسي والجمالي فهو يقول في صـ12 ومع ذلك لم تغب عن خاطره تلك الكلمات التي تخالج لوعة الاشتياق المغناه »ياهل الهوى شاقلكم صراحة« وكانت صراحتها أن أمتزج الحب والجمال أي أن هناك تداخل فيما يكتبه »حاتم« وبين النصوص الذي يقتبسها في ايقونة واحدة.. ويقول في صـ17 وحتى خيالاته لم تكن محفوفة في رجفاته لكنه لم يأبه إلا هناك دستوراً كتبت أنامل المقالح كلماته تذكرها وكررها عدة مرات سنظل نحفر في الجدار إما فتحنا ثغرة للنور أو متنا على ظهر الجدار.. لا يأس تدركه معاولنا ولا مملل انكسار.. ويقول في صـ21 يقططف من قصة لاحسان عبدالقدوس »حتى لا يطير الدخان« وكان دخانه مختلفاً عما وجدت عليه هذه القصة دخان هو امتزاجاً لمشاعر حرى من ديمومة الحياة، ويقول في صـ25 واضحت تتذكر كلمات مغناه لها ايحاء خاص تجدد الاشتياق في النفس من تراتيل »أيوب« »اشتاقهم شوق الطيور للماء شوق العيون للنور بعد ظلمه« تلك الكلمات كانت ذاكراتها محفورة بأمل القادم ربما يأتي من بعيد يبعث الأمل في الحياة، وفي صـ27 يقول تتجلى في خواطره مأثر من أقوال محمود درويش »أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي« وأنا لا أكره الناس ولا اسطو على أحد ويكمل هو فلم يسطو على أحد ولكن احداً سطا على مهجته واستمد….. كيفية عجزه عن اهداء محبيه، وفي صـ32 ومرت الأيام طويلاً تغنى من كلمات إبراهيم ناجي يا حبيبي لا تسل ابن الهوى كان صرحاً من خيال فهوى إلى أن وصل ومضى كلاً إى غايته لا تقل شئناً فإن الحظ شاء وكررها مراراً كي يسمع أكبر عدد ممن يقطنون هذه الحياة ببؤسها وعشقها ليبقى الآتي من خلف الأسلاك المشؤمة التي ما يزال يسمع عند بُعد صليلل حديدها المملؤ بالضجيج ونحن نذهب إلى ما ذهب إليه عبدالعزيز موانى »نحن نتصور أنه إذا كان إرادة التناص المؤسس والنص النثري تحاول أن الاستدعاء من رصيده النثري والعاطفي داخل ذاكرة التلقي فإن نص الإرادة منتجى النص الشعري تحاول إعادة إنتاج الطاقة الجمالية للنص بهدف أحداث نوعاً من الانعكاس الدلالي له وهذه الإرادة التناصية تسير في اتجاهين قد يفترقان ظاهرياً لكنهما يلتقيان سراً عند حدود المفاجأة »فحاتم علي« يستعيد النص بعد تفريغه من رصيده الدلالي كي يعيد شحنة بطاقة دلالية جديدة.. يتكون »جنوح الغيم« من واحد وستون نصاً يجمعها خيطاً درامياً وفكري واحد حتى يمكننا أن نعد المجموعة كلها نصاً واحداً لقد مثلت هذه المجموعة شعرية التعالي للنص وهو ما يعرفه »جيراج نيف« كلما يجعل النص في علاقة ظاهرة أو خفية مع نصوص أخرى »يقول متصوف من بحر العلم ومجريات الأحداث التي تطرأ على الكون فقد استلهمت لما يشتبه بين النثر وبين الشعر نشر الكلمات بل تخلط القصيدة بالنص كأنه يريد فرصة اشباع حقيقة حرية أن تتغنى وأن تتميز اضافته وان يعشق بطريقته الخاصة وأن يعطى وطنه وأرضه ما يجعله يتألق له وبه في هذه النصوص المتداخلة هناك اصوات متعددة نوعاً من العرض (البونرامى) للمجتمع الذي نعيشه هذا التنوع القادر على كسر الرتابة عند المتلقي خاصة أن موضوع النصوص قضية واحدة غير متغيرة هذا التعدد يجدد النشاط الحقلي عند المتلقي ويدفع عنه الملل حقيقة الأمر أن (حاتم علي) يكتب نصوصاً تستكفي على الانجرار في مألوف الكتابات وتتأبى على الانتساب إلى نوعاً أو إلى جنس أدبي محدد بعينه. أهي شعر منظور أم تأملات فلسفية مصوغة هكذا في النص على شكل قصائد نثرية وهو ما يمكن تسميتها بالكتابة عبر النوعية أو ما يمكن تسميتها »القصة القصيدة« كما يسميها الكاتب المصري (ادورد الخراط) فالنصوص التي بين ايدينا هي بكل المقاييس نصوصاً من حيث احتوائها على بنية سردية يقوم عليها العمل قفزاً عمداً ثم اكتسبت بعد ذلك ابعادها الشعرية خلال عدة آليات كالتشبيه والاختزال والتغير بالصورة والمجاز. تتوقف عند الغلاف تبدأ الإشارة من العنوان »جنوح الغيم« حيث الجنوح بمعنى الخروج على المألوف فبدلاً من الخير الذي يحمله الغيم وارتباطه بالأرض والاشتياق والخصوبة فإذا هي تتحول وتخرج عن المألوف لكن الغيم يضل مؤشراً إلى الحلم في ظل غياب الطمأنينة وكذلك تطالعنا في الغلاف صورة دلالة الطفولة تتأمل طريق طويل ترتسم الورود على جانبيه وتبدو هذه الطفلة سكونية فهى تتأمل فقط لكنها لا تستطيع أن تحدد استراتيجية المستقبل فاللغة المستخدمة في هذه النصوص لغة عالية ومكتضة ولكن ما يمكن أن يأخذ على حاتم علي بأنه توقف أمام جمالية اللغة لتضيع الفكرة فكثير من هذه النصوص ليست بالقصة ولا بشعر وبالتالي تداخلت العوامل السردية مع عوامل الصور والتشبيه ما جعل هذه النصوص بارتباطها باللغة لذيذ وجميلة عندما تقرأها تتلذذ بها..>

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مخاليف وعزل وصاب العالي

امثال وحكم شعبية من وصـــــــــــاب

قبة الرجامه بني عبدالله