وفاء‮.. ‬وأساور من لون الشمس


هذه القصة لزمن أفتراضي يوضح معانة الإغتراب

المراة نماذج

بقلم نائب رئيس التحرير/حاتم علي ‮

< ‬كانت محاطه بظلم عدة عناوين قسوة الطبيعة‮.. ‬والمكان لتظل‮ »‬وفاء‮« ‬ترسم صوراً‮ ‬قد‮ ‬يكون لون أحدها باهتاً‮ ‬وفي‮ ‬قريتها المعلقة بهاتيك الجبال‮ ‬يبدأ سيل هادر من المعاناة وهناك كانت أنماط الفجيعة الأولى‮..‬ مقومات حياة‮ »‬وفاء‮« ‬عناصر من طيات البيئة‮ - ‬البقرة‮ - ‬الزراعة وهم‮ ‬يساورها ويناجيها من صباحات الفجر إلى أوقات متأخرة من المساء‮.. ‬لم تدرك أساليب حياة أبناء هذا العصر‮..‬ أنثى خالصة حولتها قسوة المكان إلى كائن جاف لا‮ ‬يع أهمية أن‮ ‬يعشق أو‮ ‬يحب كفرضية من فرضيات الزمان‮.. ‬وألق الحياة‮..‬ كانت النسوة في‮ ‬
محطيها‮ »‬يتخضبن‮« ‬ويصبغن شعرهن بتلك الألوان التي‮ ‬تبدو عليها صيغة الزهو والافتخار ووحدها‮ »‬وفاء‮« ‬مفرطة في‮ ‬عملها في‮ ‬الحقل تخضب بنانها وأصابعها بألوان الطبيعة وحشائش تلك الحقول لتعلق في‮ ‬أظافرها بعضاً‮ ‬من روث الأبقار وشيئاً‮ ‬من الطين‮..‬ هنا‮ ‬يحدث شيء ما أناس قادمون من قرى مجاورة‮ ‬يطلبون‮ »‬وفاء‮« ‬للزواج‮.. ‬أخذت عادات الاستقبال دورها في‮ ‬صياغة الواقع الجديد‮.. ‬أتفق على أدبيات ما‮ ‬يمكن عمله‮.. ‬شرط‮ - ‬كسوة‮ - ‬مهر وغيره من تفاصيل ذلك الواقع وبدأت‮ »‬وفاء‮« ‬تسطر الواقع الجديد سنترك الحقل،‮ ‬والأبقار والعيش المرهون بالمعاناة‮.. ‬سوف تغادر المكان ونتجه صوب المستقبل الجديد بأفاقه البعيدة،‮ ‬وملامحة التي‮ ‬لم تفصح عن دلالاتها بعد‮..‬ وبعد تلك المراسيم المعتادة في‮ ‬ذلك النمط من العيش تتغير تصاريف الحياة وتنتقل‮ »‬وفاء‮« ‬المتعطشة للأمل إلى مكانها الجديد‮ »‬عش الزوجية بحسب ما بات‮ ‬يعرف في‮ ‬أوساط المارة‮«..‬ يمر شهر بعد زواجها وحياتها الجديدة ويبدأ شقها الآخر بالميل نحو أرض الأحلام ومراتع الوهم‮..‬ هنا‮ ‬يدخل الدكتور سلطان الصرمي‮ ‬بصوره البليغة ليرسم تفاصيل اللقيا الأولى في‮ ‬حضرة الحب‮.. ‬والوهم معاً‮.. ‬وينشد المستعد للرحيل بقوله‮:‬ شافارك بعد الزواج بأسبوع العين تدمع والفؤاد موجوع إطلالة تأسر القلب عندما‮ ‬يحاط التفكير بالغربة في‮ ‬لحظاته الحميمية الأولى،‮ ‬فكلاهما‮ ‬يفكران هي‮ ‬من زاوية‮.. ‬وهو من زوايا مختلفة‮..‬ لكن زاويتها هي‮ ‬حالها‮ ‬يقول‮: ‬يا حبذا لو بقي‮ ‬في‮ ‬هذا المكان نتقاسم معاً‮ ‬الأمل‮.. ‬والمتاعب ربما هذا‮ ‬يبدو جميلاً‮.. ‬تلك كانت نماذج من ثنايا تفكيرها المجسد لمعاني‮ ‬الحب الآسر‮...‬ وتستمر الحياة‮.. ‬وتزداد متاعب وفاء‮.. ‬ويغادر‮ »‬محمد‮« ‬المكان صوب المجهول ويرسم لها وعوداً‮ ‬واهية ويفتح فاه ويُمني‮ ‬تلك المخلوق بأن‮ ‬يأتي‮ ‬لها‮.... »‬بأساور من لون الشمس‮«..‬ ولم‮ ‬يحصل ذلك مطلقاً‮.. ‬وعادت‮ »‬وفاء‮« ‬إلى حقلها لكن هذه المرة ليست وحدها فقد كانت مُدة لقياهما ذات مساء كفيلة بأن تدخل أيادي‮ ‬القدر ويتكون كائن آخر أكثر وفاءً‮ ‬وعطاءً‮ ‬وحب‮..‬ وبعد شهور شاءت إرادة القدر وسنة الكون أن‮ ‬يتصاعد إلى السماء دعاء‮ »‬وفاء‮« ‬بفك آسرها وتتم الاستجابة ويأتي‮ ‬ذلك المخلوق الصغير ليضيف هماً‮ ‬غائراً‮ ‬إلى همها المُحاط بها منذ زمنٍ‮ ‬بعيد‮..‬ وتنجب‮ »‬وفاء‮« ‬لتستمر تبحث وفقاً‮ ‬لطريقتها عن اسم لطفلها‮..‬ بالمقابل‮ »‬محمد‮« ‬الغائب منذ الأشهر الأولى عن حياتها لم تسعفه اللحظات بأن‮ ‬يشاركها مشاعر اختيار الاسم لطفلها‮..‬ قررت‮ »‬وفاء‮« ‬إطلاق عليه مسمى‮ »‬الغريب‮« ‬فقد ولد في‮ ‬زمنٍ‮ ‬غريب لا‮ ‬يدرك قدسية الحياة وسمو معاني‮ ‬الوفاء والحب‮..‬ لكن ثمة شيء‮ ‬يلتف حول مصير هذا الطفل المولود‮ »‬فوفاء‮« ‬لن تهجر حقلها وطفلها بحاجة إلى رعاية أنثى،‮ ‬والجميع مشغولون‮..‬ فكرت‮ »‬وفاء‮« ‬بعمل قد‮ ‬يبدو قاسياً‮ ‬لكنه مجدياً‮ ‬في‮ ‬لحظات كهذه أن تربط طفلها على جزء من سرير نومها وتغادر وفاء المكان وسط صراخ طفلها وبقرتها فكلاهما‮ ‬يحتاجان إلى الرعاية والاهتمام‮..‬ لكن لم تدرك وفاء الحالمة أن‮ »‬غريب‮« ‬المحبوس على قطعة الخشب ربما‮ ‬يحدث له شيء وحتى وإن لم‮ ‬يحدث له شيء فالعزلة النفسية التي‮ ‬ترتسم في‮ ‬ذاكرة الطفل كفيلة بأن تجعله أكثر بؤساً‮ ‬ورهبةً‮ ‬من الحياة‮..‬ واستمرت تغزل من شعاع الشمس‮.. ‬حلم الرجوع وتمني‮ ‬نفسها ببعض من حميمية اللقيا‮.. ‬والهيام‮.. ‬وترسم في‮ ‬مخيلتها صوراً‮ ‬حسية تمتهن الذكرى وتعيش على أعشاش الحزن‮.. ‬وهناك في‮ ‬زاوية الاغتراب‮ ‬يحيا‮ »‬محمد‮« ‬حائراً،‮ ‬بائساً‮ ‬يحرص على عدم التواصل ليكون مستقبل حياة‮.. ‬يرتجي‮ ‬منه أن‮ ‬يكون أكثر إشراقاً‮..‬ لكن انقطاع التواصل بين وفاء ومحمد شكلا بعضاً‮ ‬من تساؤلات حائرة‮.. ‬فهي‮ ‬من رائحة تراب موطنها الحميم لم تنساه أبداً‮.. ‬وهو من ركالة فكره العقيم وعيشه المحفوف بضوضاء المدينة لم‮ ‬يعد‮ ‬يفكر بها،‮ ‬كما ولم تعد تشكل له جزءً‮ ‬من الحياة‮..‬ وحتى في‮ ‬تواصله بها ذات مرة كان صوته‮ ‬يستعير لغة القوم الذي‮ ‬يعيش في‮ ‬أوساطهم وكان التواصل بصوته بلهجة فوقية وتعالى لا‮ ‬يقبل المثول أمام ذكرى المحبة،‮ ‬وأيام الجمال‮.. ‬بل أنه قاطعها بقوله الفج وبعاميته المفرطة‮ »‬أيش من حب أيش من خبالة‮« ‬ذلك إبان قولها له أنني‮ ‬لن أنسى ذكرى حبنا المحفور في‮ ‬صميم القلب،‮ ‬وفي‮ ‬حنايا الصدر الموجوع،‮ ‬فقد كسر بخاطرها ولم‮ ‬يبادلها مشاعر الألفة والحنين‮..‬ هكذا أعلن‮ »‬محمد‮« ‬عن تغير في‮ ‬أنماط الحياة وأسلوبية العيش،‮ ‬وظلت‮ »‬وفاء‮« ‬هذا الكائن الجميل محبةً‮ ‬ووفية‮..‬ وتمر السنون والأيام بذكرياتها الحالمة ويعود‮ »‬محمد‮« ‬إلى قريته الصغيرة لكن ليس بمناحي‮ ‬سلوكية تعمق المحبة،‮ ‬وتجسد الهيام وتبعث على اللوعة،‮ ‬بل عاد بشكل مختلف جسمانياً‮.. ‬ولهجة‮.. ‬وتعالي‮ ‬واستخفاف‮..‬ كل‮ ‬يومه تساؤل مفرط في‮ ‬الأشياء‮ »‬أيش هذا‮.. ‬ومال هذا هكذا‮« ‬وأشياء أخرى تحمل في‮ ‬طياتها تفاصيل الوجوم والحسرة‮..‬ لم‮ ‬يعد‮ »‬محمد‮« ‬العائد بعد‮ ‬غربته الطويلة‮ ‬يعجبه أحد،‮ ‬حتى‮ »‬وفاء‮« ‬كانت إيماءته وإشاراته تحقرها‮.. ‬ما هذه الرائحة؟ ما هذه النحافة؟ ما كل هذا؟ والغريب أن‮ »‬محمد‮« ‬ظل‮ ‬يسأل الناس‮: ‬كيف تعيشون في‮ ‬هذا الواقع المزري؟ حاولت‮ »‬وفاء‮« ‬أن تتخلص من صمتها وتجاريه في‮ ‬الحديث،‮ ‬وتؤكد له بقولها‮: ‬ألست منا؟ فيرد نعم،‮ ‬لكن‮ ‬غصب عني‮..‬ وفي‮ ‬هذه الأثناء‮ ‬ينادي‮ »‬محمد‮« ‬على‮ »‬غريب‮« ‬بنبرة قاسية مستهجنة‮ ‬غير آبهة‮ ‬يا ولد‮.. ‬لماذا أنت بهذا الشكل‮..‬ فترد الأم مازحة بعض مما عندكم،‮ ‬فيرفل‮ »‬محمد‮« ‬غاضباً‮ ‬ويضرب‮ »‬وفاء‮« ‬فتنهال عليها مناحي‮ ‬الذكريات‮.. ‬وتقول في‮ ‬سياق مأساتها هل انتظرت هذه المدة ليكون لي‮ ‬هذا الجزاء‮..‬ سامحك الله‮ ‬يا‮ »‬محمد‮« ‬فقد كنت قدري‮ ‬الجائر مع قسوة الطبيعة تشتركان معاً‮ ‬في‮ ‬قتل آفاق الوفاء في‮ ‬نفسي‮.. ‬وترفل‮ »‬وفاء‮« ‬أيضاً‮ ‬محلقة جانحة تعاود العمل في‮ ‬حقلها تحمل معاناة النسيان والقهر،‮ ‬فقد تلاشت أحلامها بعد لقيا الغياب وأدركت أن الحياة قدر الإنسان فيها أن‮ ‬يظل حائراً‮ ‬وبائساً‮ ‬وقد اختارت تلك الفرضيتان كونهما ملامسة لحالها الموسوم بالأوجاع والأحزان‮..>‬

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مخاليف وعزل وصاب العالي

امثال وحكم شعبية من وصـــــــــــاب

قبة الرجامه بني عبدالله