وصاب .. سيمفونية الطبيعة تخاطب المشاعر


وصاب .. سيمفونية الطبيعة تخاطب المشاعر والأفئدة بألحان الجمال المدهشة المرأة في وصاب مثابرة وآمالها وتطلعاتها ترنو إلى المستقبل الواعد عادات وتقاليد منسية لاسيما الأغنيات والأهازيج المصاحبة للزراعة
بقلم نائب رئيس التحرير – حاتم علي

في تجليات الحياة يستعيد الإنسان من ذاكرة العمر ملامح رؤى سطرها أحلاماً في ضحى حياته .. بل ورغبة في الإشراق، ومن هذه الإطلالة يستمد الإنسان هذه الحياة ببصيرته وبصره تلك الدلالات التي عطرها ذلك المكان الذي يصافح السحاب ويتدثر بالضباب، في ثنايا العمر واختلاف سنواته يظل المكان قبلة العاشقين لامتطاء صهوة الحب. وفي بيارق وصاب تجد الإنسان يوغل في حقب التاريخ يرسم بحسه الجميل بعداً جديداً لزوايا الحياة المختلفة .. هذه الحياة التي لا يزال الإنسان غيها يرفد بنفسه مجتمعه بجلاء الصور وروح اتقاد الوهج، وإذا كنت في وصاب فهذا يعني ذلك أنك في مناجاة مع زعماء الطبيعة من الجبال والسهول والوديان تتجه بوجهك إن شئت فتجد إنساناً يكدح بحب ومن أجل الحب في أسلوبية البقاء، وتجد أيضاً المرأة ترتب للمستقبل بطراوة ونقاء وصلتها الغنائية في عصارة هذا الزمن تنظر للأسفل من تلك القمم تبرز إلى محياك طهارة البقاء لنقاء الصورة. وصاب .. قصيدة تأخر الشعراء كثيراً في تنفيذ أبياتها وما تزال بكراً .. ينتهج مرتادو تلك الأمكنة السلام والسمر معاً ليعلو في مسار تعرجات الجبال نقاء الإنسان وبساطة الروح..
المرأة في وصاب .. هناك فرق

تظل المرأة في دائرة هذا الوجود هي من تعد شكل الغد .. فتضعه برحيق أحلامها .. وآمال طموحاتها الذي لا تذبله قسوة الحياة، فتجد الحقول في وصاب وقد لفها الغيم وشكلت المرأة في حركاتها الدفء والحنان تلامس الطين وتداعب العُشب والزرع ليتشكل بذلك نهج الغد ضمن بغية المكان كلون العشب الأخضر تتلون النساء يدبن في الأرض وفي خاصرة العمر, أيضاً تصدح النساء في عمق الوديان وقمم الجبال بأصوات تتقاطع في أحايين عديدة مع زقزقات الطيور والغيول .. فكلاهما ينهلان من عطايا الطبيعة، تصحو النسوة منذ بزوغ الفجر ويقمن بتعقب الشمس عندما ترسل أشعتها لتمنح القادمين بساقة الثقة باليوم التالي :

وعند رؤيتك للمنازل في صباحات وصاب يخالج حسك الخوف عند مشاهدة ذلك المنظر في تجليات الصباح، إنه الدخان يتصاعد على هيئة كثبان فتخال المنازل وكأن الحرائق تتصاعد من فوهة تلك المنازل .. والشاهد في علو ذلك الدخان أن النساء يوقدن الحطب ويعددن (الصبوح) في تنور أعلى المنزل .. حتى أنك تجد المنظر وقد يرسم مشهداً جديداً لتعرجات الطبيعة.

في وصاب أيضاً عندما تفرح النساء وغالباً ما يكون ضمن حفلات الأعراس حيث يعملن على نفض الغبار من على أجسادهن جراء عملهن في الحقول والإعداد للمناسبة .. منظر كهذا لا يشبهه في تفاصيل حياتنا سوى شيء واحد يتمثل في غمر وتغطية قطعة ذهب في التراب وعند إبعاد التراب عن تلك القطعة يزداد لمعانها وبريقها جراء المسح والتأهيل .. وهكذا هن نساء ذلك الريف الجميل الممتد دفئاً وحضوراً .. يرتبط في أمزجة النساء اللاتي يطلن من على شرفة التاريخ لمناجاة الغد عن طريق كلمات مغناة أعددنها .. وقامت بدور البطولة إحداهن لتضع لها لحناً يتناسب مع عمق المكان والرؤية لتفاصيل ينتظر معرفتها في الغد.

في وصاب .. تتحرك النساء بعد قضاء أعمالهن إلى مكان العرس أو المناسبة ومن ثم يطلقن العنان لمخيلاتهن فيصدحن بلحن الحياة والشوق والبعد والهيام والبعاد والغربة .. وتستمر تلك الأنثى في مشوارها الطويل توغل في رهبة التجديد لتنزع من أبجديات التقاء الأفئدة فوح الحب، وغنائيات حالمة تناجي المكان وتعزل من شعاع ذلك البعد أغنيات حرة تحمل في روحها معاناة الغربة والأمل القادم في سطور الغد.

جنة الله على هذه الأرض تسطرها حلماً يتواجد في عتبات العمر ليضيء المسافات ويقطع أرتال
الهموم التي تصنع عسراً في ركالة الحاضر الذي يفتقد لحداثة الآن، وأزمنة تمر وهي في الانتظار لذلك القادم من بعيد لا تفصله عنها الآهات .. رغم حرارتها تستعيد من ماضي أيامها بعضاً من أغنيات قالها لها .. وقالتها له .. معاً نصنع الغد .. ومعاً نجسد رغبة في رسم ملامح اليوم القادم، فيطول الغياب ويزرع الوهم أعشاباً في فحوى ذكريات أنثى وصاب .. فتصمد طويلاً وتحلم كثيراً وتتأسى حيناً فتعطر المكان بحلمها وتغرد للسكون مساحاته التي لا تغفلها قسوة الأيام والزمن .. وهكذا تستمر النساء يرسمن شكل الغد وفق إصرار على الحياة في ظل طيف من الجمال .. وشيء من الحسرة .. وأشياء من التعب وبعضاً من نكران الآخر .. هذا الآخر الذي تتوقف أنثى وصاب عنده بلوعة وحزن لتقول بدلاً عن الكلمات آهات .. تداول تلك الجبال وتفوق مساحات الأودية لتخصها أخيراً بأسداء السلام ولوعة الاشتياق لقادم الأيام.

عادات .. وتقاليد

في أكثر من مكان في هذا الوطن المشغوف حضارة وحباً تظل العادات هي من تقودنا إلى معرفة شكل المجتمع الذي نسعى لمعرفة نمط عاداته وتقاليده، وهكذا في وصا
ب نجد إغفالاً وتجاهلاً كبيرين لهذه الأشياء التي تسودها القيم والتعاون .. فمثلاًُ أثناء جني المحاصيل الزراعية “فترة الصراب” كان الجميع فيما مضى يؤدي مهجل في تراكيب مفرداته دعوة خالصة للعمل والتآخي .. وفي فترة إعداد الأرض وفلاحتها وهو ما يعرف في وصاب بالبتلة (التلام) وهذان المصطلحان يطلقان على المراحل الأولى لإعداد الأرض وتأهيلها غاب ذلك الآن واستبدل بالصمت الذي كان الأجداد لا يرغبون في وجوده في حياتنا، وفي فترة “الحشيش” وهي مرحلة قطع الحشائش الخاصة بالأبقار وغيرها من الحيوانات يستنفر الناس جهدهم ويستعدون أيما استعداد ويعمل في هذه العملية كل أفراد الأسرة وإن كانت المرأة الأكثر حضوراً في هذه الحالة يقودنا التراث إلى سماع أصوات نسائية تلتقي مع مروج الطبيعة وعمق تفسيرها لهكذا وضع، ومن موسم إلى آخر تجد ثمة أهازيج أصبح الناس والنساء يستحون من الشدو والتغني بها وهم يمارسون أعمالهم.

إذن الشاهد أن العادات تتلاشى والتقاليد الحميدة تذوب في عصرنة هذا الواقع باصطحاب مسجل يضم مجموعة أغنيات جلها ساذجة لتحل محل ذلك الصدح الجميل الذي فتحنا أعيننا في الريف الجميل على سماع سجعه وتلحينه.

أهازيج قديمة غائبة


ما يبعث على الألم أن هناك من يحفظ تلك الأنماط من الأغنيات الشعبية البديعة والأهازيج المرافقة لكل لحظة عمل في الصراب والحشيش وكل مواسم العمل .. فقط على رأي أحدهم نستحي من قولها لأن الناس يقولون هذا قول عجاوزي ولم يعد لدينا متسعاً لسماعه، حالة من اللاصمت تقود تراثنا في كل مناطق اليمن الحبيب والحل يكمن في نشر الوعي في أوساط الناس بأهمية كل أشكال التراث الشعبي الذي جاء إلينا من عصارة حياة عاشها أجدادنا بكل مثالية الحب .. والحل .. والإخلاص.


الطفولة في وصاب

الجميع هناك في تلك القمم لا يخلو منزل فيه من الهجرة نحو المجهول فالجميع أيضاً نسوا أن هذه الأرض عاش فيها أناس وكونوا عليها حضارة من خلال تعاملهم مع الصخر وترويض ذلك الواقع ليظهر أكثر قبولاً في سياق معيشة الناس .. وهذا أصلاً ما شاهدناه صورة تتجلى أمامنا لنخلص إلى القول إن الطفولة في وصاب تهاجر بحثاً عن وهم الغربة وابتعاداًُ عن التعليم .. ففي قرى عديدة من وصاب ما إن يصل الطفل مرحلة صف رابع أساسي أي قبل لأن يتمكن من القراءة وتجده وقد غادر المكان بحثاً عن عمل .. وندرك تماماً أن هناك حالات معيشة أكثر صعوبة في وضعها المعيشي لكن التعليم يعد وسيلة تجاوز هذه المعضلات
والأوضاع الصعبة إن توافرت النية الصادقة عند الناس.

طرقات .. وسياحة جبلية

في زوايا متنوعة من الحياة تبقى الطرقات عاملاً مهماً في رفد السياحة على اعتبار أن الطرقات إحدى أسباب مكوث الأهالي في قراهم، ولأن الطرقات تمثل أهمية كبيرة فقد كان لها الأثر الأبلغ في محيط تناولاتنا التي يتوجب الوقوف عندما بشيء من الصدق، ففي وصاب ما يساهم في تراجع هذه الأعمال الخاصة في شق الطرقات غياب الحس الوطني الذي بدوره يقود إلى إظهار أعمال من شأنها أن تبصر الناس بفحوى أن عدداً من المقاولين في إطار المنطقة قد تجاهلوا عملياً وأثناء شقهم لمشاريع أوكلت لهم وقد غاب عنها المعيار الحقيقي في عملية الشق وهناك نماذج عديدة لكثير من المشاريع التي أثبتت فشلها وعدم ملاءمتها لطبيعة المكان.

لكن وجدنا في هكذا ثمة أسباب ساهمت في إعاقة حياة الناس وكان من أبرزها أولئك النفر من المقاولين الذين بغياب حسهم الوطني الخلاق قادتهم أعمالهم إلى سوء الإنشاء فأسفرت البعض من مشاريعهم في التعثر والبعض الآخر بعدم مناسبة للمقاييس المطلوبة.

ولا ننكر دور الفساد والمفسدين الذين يتجاوزون أعمالهم ويتم بفعل المغالطات إجازتها لهم واعتبارها صالحة وهي في الأصل عكس ذلك.

إن وصاب كلها وهي تعاني توغل ظاهرة الفساد عبر هذا المدخل الخاص بالمقاولين ترسل همها إلى الهيئة العليا لمكافحة الفساد لعمل حساب حول هذا النوع من الاستخفاف بالمقدرات الوطنية .. وهموم الناس ليصبح ذلك الأمر قيد المراجعة التي بدورها تحيل مثل أولئك الناس إلى مجلس تأديبي لمحاسبتهم وفقاً لتوجه الدولة في الوقوف على مكامن الفساد والقضاء عليه من أجل النهوض بالمجتمع وتعرية هذه الأنواع من الأشياء التي تشل حركة المجتمع وتقدمه.
وصاب .. سكان ومخاليف

تجدر الإشارة إلى أن وصاب في الأصل واحد ويعود نسبهم إلى وصاب بن سهل بن الجمهور بن عمرو بن قيس بن جشم بن وائل بن عبد مناف بن حمير الأكبر بن سبأ الأصغر.

وبفعل الموقع الجغرافي فقد أطلق على وصاب اسمان حمل الأول أوصاب الأعلى ويضم عدة مخاليف منها بني الحداد – بني شعيب – بني مسلم – القائمة – القدمة – كبود – جُعر، ويبلغ تعداد السكان في هذا المكان حوالي (163) ألف نسمة.

بينما تنقسم وصاب السفلى إلى عدة مخاليف أيضاً مثل: بني علي – بني مرجف – بني حطام – بني سوادة، ويقدر السكان بحوالي (150) ألف نسمة ويتوزع السكان من كلا المنطقتين في أعمالهم في الزراعة وعديد من الحرف اليدوية وتربية النحل وعدد كبير منهم في بلدان الاغتراب في دول الجوار والعالم ووصابين يتبعان محافظة ذمار.

مشروع ذمار – الحسينية

طبعاً هذ المشروع لو أنجز سوف يحل كثيراً من المشاكل التي تعاني منها وصابين كونه شرياناً مهماً يساهم نجاحه في الخلاص من الظروف الصعبة التي يعيشها الناس.

وقد تعثر هذا المشروع كثيراً ودار الحديث عنه منذ حوالي 3 عقود من الزمن ما جعل هذا المشروع يدخل الموسوعة العالمية في مقاييس التعثر، إلا أن الناس أخيراً استبشروا خيراً بإعادة العمل في المشروع وفي انتظار الأمل القادم.

بالمقابل أن أشخاصاً لهم دور كبير في ماهية المتابعة والعمل بحس وطني خلاق نحو الإنجاز لعل أبرزهم الدكتور إسماعيل ناصر الجند, أحد أبناء المنطقة, فله ولكل من يعمل من أجل الوطن كل معاني الوفاء والحب.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مخاليف وعزل وصاب العالي

نبذة عن وصاب العالي

امثال وحكم شعبية من وصـــــــــــاب