وصـاب.. الوجه الآخر للحياة

وصـاب.. الوجه الآخر للحياة
في أحايين عديدة يبرز إلى مخيلة الإنسان البحث عن مبهمات الأمكنة.. وتتهادى الأطيار في تغريدها وتبهرك وهي تحلق في الأرجاء.. تناجي بعضها البعض تتكئ في طيف الكون لتعلن من وسط همهمات الرعد أنك هنا في وصاب إحدى حواضر الملك الحميري.. وفي هاتيك الأمكنة تتدثر الجبال الضباب ليكسوها الغيم وترتل بقيثارة المكان اللحن من زوايا الأمكنة وفوح من أريج لون الهضاب والوديان.. وهكذا إذاً تتسطر في حنايا تلك الجبال الباسقة أشلاء قصيدة لم يقلها الشعراء بعد تحمل لون الحياة الزاهي وطعم من ذكريات حانية لا يغفلها الزمن ولأجل ذلك فطيف وصاب ظل متربعاً في انداء الطبيعة يستجدي الحياة.. ويبرق من تفاصيل العمر ليقول هنا مستقر الأجداد ومهبط الأفئدة..
وصاب أون لاين > بقلم نائب رئيس التحرير الأستاذ /حاتم علي-8-10-2010م
المرأة هي من تعمل
> في وصاب المرأة هي من تسند الحياة بجهدها المتفاني في الأرض.. في كل زوايا المكان تظل المرأة حاضرة تعمل من صباحات اليوم وحتى دخول المساء.. أنوثتها صادرها غبن الحياة وصعوبة العيش بعضهن تعيش على حلم عودة زوجها من بلد الاغتراب.. فتبني منزلها حجراً حجراً تشبع ذلك العمل بحسرة الأيام وضبابية مستقبل الحياة.. تركت للوهم وتفني عصارة عمرها في آمال عريضة تحمل متسعاً
من أمل الغد الذي يشترط فيه أن يكون أكثر إشراقاً.. وهكذا تتجلى الحقيقة الأكثر بؤساً ومرارة لتفيد أن حياة المرأة في وصاب ذات طابع وفاء بكل المقاييس، وفاءً للأرض وكذلك الإنسان لكن الأخير تتصف حياته بالغدر وعدم تقدير الآخر.. فتصبح المرأة في وصاب قضية إنسان يكدح من أجل الحياة ليحلم بيوم أفضل ومستقبل أجمل.. ومنهن شهداء أيضاً > استكمالاً لموضوع حياة المرأة في وصاب وبعيداً عن صيغ الحاليات في ما نقول نستدل على حياة المرأة هناك بدلائل تفيد أن حياة المرأة تتعرض كل يوم للخطر.. طبعاً عن طريق قيام عدد كبير من النساء في تسلق الجبال والأماكن الأكثر خطورة من أجل الحصول على غذاء لأبقارهن.. تجدر الإشارة إلى أن هناك حالات انقلاب لا يخلو منها شهر وحالات الموت لا تخلو منها سنة، فصعوبة المكان جعلت مسألة الخطورة محدقة بحياة الناس كون تلك الأماكن التي تبحث عن الأعشاب فيها لا تحمل طابع الملكية، فقد شجع هذا الأمر عدداً من النساء على تسلق الجبال والبحث كما سبق القول عن غذاء للأبقار للتغلب على مشكلات الحياة وصعوبة الوضع الاقتصادي.. وفي إحصائية تقريبية وفقاً لتحاورنا مع الناس هناك فقد خلص الانطباع إلى أن الحالات التي تموت سنوياً من كل القرى باعتبار أن حالات الفقر مسيطرة على أكثر من مكان.. لذلك كانت المرأة حاضرة الموت وبزمن استباقي من أجل استكمال الحياة والتغلب على صعوبة وقسوة حياتها.. لتصبح المرأة في هذه المنطقة وفي إطار التجلي الحياتي الحاضر اليوم شهيدة الواجب من أجل الديمومة والبقاء..
احتياجات ومشاريع >
في ضحى واقعنا تفسد الحياة أشياء ليس بفعل الطبيعة لكن بفعل استهتار الإنسان وسوء تعامله مع الآخر في محيط الحياة.. ومن هذه التناولات يمكن الإشارة إلى طبيعة المشاريع التي تحتاجها وصاب.. وعلى هذا الأساس لا يمكن أن نغفل حقيقة أن المنطقة خالية من المشاريع.. فهذا القول يعد جحوداً في أحايين ومنصفاً في حين آخر.. فتجد مناطق لم تدخلها الطرقات مطلقاً وتكاد تختفي في أغلب الأحيان وجود ما يعرف في حياتنا بالوحدات الصحية.. والسبب يكمن كما سبق القول بتوغل الفاسدين وسيطرتهم على زمام الأمور، فقد تأثرت وصاب كثيراً بمعطيات حياتية أظهر سوءها عدم وجود مشاريع خدمية تقدم خدمة حقيقة للناس.. كما لا ننسى أن هناك هجرة نحو المدينة ساهمت كثيراً في عدم التعاطي مع الخدمات والأبرز في كل هذه الأشياء أن غول الفساد الأبرز حضوراً في سياق العيش هنا ساهم فعلاً في تردي عدد من المشاريع التي يمكن أن تشكل خدمة للناس هناك لكن تظل حاجة الناس مطلوبة في توفير أهم الخدمات ألا وهي الطرقات لتستقيم الحياة ويصبح بمقدور الإنسان هناك أن يحيا بمعزل عن الهم والتعاسة..
وصاب.. سياحة مفقودة >
طبيعة خلابة امتازت بها وصاب كغيرها من مناطق اليمن الحبيب، لكن هناك تجاهلاً من قبل الجميع زاد من تأكيده تكاسل المجلسين المحليين في وصابين العالي والأسفل، ما ألغى دور وصاب السياحي وأغفل كذلك المواقع الأثرية التي تمتاز بها كالقلاع المنتشرة في أكثر من مكان في وصاب الأسفل، وكذلك التحف البديعة في وصاب العالي المعروفة »بقبة عراف« التي تلاحظ خصائص التكوين البنائي لها لتشكل إضافة جميلة وحضارة الأجداد الأوائل وأننا أمام حقيقة يغفلها الإنسان ولايحسب لها حلاً لمشكلاته.. ومن هذا المنطلق تكون السياحة في وصاب مخفية وغير مفعلة وذلك بسبب الإنسان نفسه الذي يتعمد بغباء إخفاء التاريخ ومداراته عن الأنظار وهذا ما حصل فعلاً في وصابين.. تراث يختفي > في هذا الوطن عموماً نفتخر ونعتز بكثير من خصائص التراث الفني، لكن تطور الحياة في بعض الأشياء جعل هذا الجيل يبتعد عن مناحٍ عديدة من تراثه كالبرع والزوامل وغيرها من عادات الأجداد التي كانت تشكل فسحة من الحياة ليتمازج فيها الإبداع مع طقوس المناسبة التي تظهر فيها مثل هذه النماذج في الحياة .. لكن فرضية الحياة كانت صامدة تهدي أجمل التعابير لحن الحياة، هذا اللحن الموسوم بتناغم مفردات التراث ليُغنى ويقال في أكثر من مناسبة لكن المفارقة التي تنبئ بأن الحياة هناك صبغت بصبغة الحياة العصرية التي يكثر اعتمادها على آلة تسجيل هي من تقوم بالتغطية الكاملة للمناسبة، وهكذا يغيب دور الإنسان بفعل عوامل عديدة من بينها قول بعض الشباب »استحي عندما أقوم بالبرع أو الإنشاد .. أو الخطابة«.. من ذلك تدرك أهمية رسالة الأجداد في هذا المضمار، فقد كان الغرض يحمل من الوضوح الكثير وأبرز سمة في هذه الثقة التي يكتسبها الفرد من هذا السلوك وكذلك الشجاعة الأدبية في الحديث أمام الناس بعيداً عن الخجل والانطوائية وحالات التراجع التي انتشرت في أوساط أجيالنا هذه الأيام..<